الأخبار

«القطيعة الباردة» الوجه الجديد لتشويه العلاقات الاجتماعية!

تأتي على خلفية نقاش أو موقف عفوي أو انتقاد بريء

 

«القطيعة الباردة» الوجه الجديد لتشويه العلاقات الاجتماعية!

تبوك، تحقيق – نورة العطوي

على الرغم من بساطة بعض الأخطاء أو الهفوات العفوية التي تقع بين الأهل والأصدقاء إلا أنها تترك أثراً عميقاً في نفوس البعض حيث تقودهم في كثير من الأحيان إلى “قطيعة باردة” تخترق جدار الروابط المتينة وتصبح طقوس التواصل فيما بينهم رسمية باهتة تفتقد لدفء العاطفة وحرارة المحبة الصادقة، اليوم باتت كثير من القيم السلبية هي من تحكم تصرفات وردود أفعال البعض دون أن تمنحهم وقتاً للمراجعة و التأمل لطبيعة الموقف ومدى مكانة تلك العلاقة وقربها منهم حتى بات كثير من أفراد المجتمع يشكو برودة وجمود مشاعر أقرب الناس إليه مع عدم وجود خلافات أومشاكل حقيقية وقوية.

“الرياض” تناقش أسباب القطيعة الباردة والأثر النفسي الذي تتركه، وكيف يمكن إنهاؤها.

العلاقة بين الزوجين

بداية تقول بسمة سالم: مع أن قيمة التواصل الأسري والاجتماعي لا تقدر بثمن إلا أن كثيراً من علاقاتنا اليوم فقدت مكانتها مبينة أن القطيعة الباردة أكثر وأشد وقعاً على النفس من قطيعة الخلافات والمشاكل خاصة حينما تكون مع أقرب الناس إلينا وأحبهم على قلبنا لأنه من المؤلم أن نتعايش ونتعامل مع الأخر ونتحدث إليه بلغة باردة مملة ومصطنعة في كثير من الأحيان..

وأضافت ليس هناك أقسى من قطيعة باردة تضرب بقسوتها أكثر العلاقات قدسية وهي علاقة الزوجين بل إن القسوة تزيد أوجاعها حينما تبدأ حياتهما الزوجية بقطيعة باردة، وحينما تخلو أجمل أيام الفتاة حديثة العهد بالزواج من كلمات حانية تلامس مشاعر قلبها وتروي بعذوبتها طبيعتها الأنثوية أو حينما تعامل معاملة تخلو من الاستلطاف والإعجاب ستجد القطيعة الباردة مكاناً واسعاً أما تعبيراً عن خيبة الأمل والانكسار أو كرد اعتبار ومحاولة لفت نظر وشعور الطرف الآخر، مبينة أنها عاشت معاناة مؤلمة في بداية حياتها الزوجية حيث كانت تمر أيام وأسابيع من الهدوء والصمت بينها وبين زوجها الذي تعامل مع ذلك الوضع بلامبالاة الأمر الذي أرهق تفكيرها ونفسيتها لدرجة أنها بدأت تشك في مدى محبته لها أو حتى في مسألة تقبله لمظهرها وشخصيتها وحينما صارحته بحقيقة مشاعرها ومدى حزنها وتألمها من حياة تعيشها وكأنها وحيدة وغريبة بين لها بأن الأمر يتعلق بطبيعة شخصيته لا أكثر، مضيفة أنها حاولت فيما بعد التأقلم والتعايش مع ذلك الوضع الذي بدأ يتغير تدريجيا بفضل لغة التفاهم والحوار بينهما.

ظاهرة واضحة

وتشير ابتهاج إلى أننا أصبحنا نلمس هذه الظاهرة بوضوح في مجتمعنا في السنوات الأخيرة حيث تتكرر لأتفه الأسباب وتتعمق وتكبر أما لسوء الظن بالآخرين وتأويل الكلام وتعمد إطلاق الأحكام المبنية على سوء النية تجاه كل تصرف وكلمة وأحياناً تكون تجنباً لردة فعل شخصية عرفت بحساسيتها الزائدة لهذا يكون من الأسلم التعامل معها بطريقة رسمية وجافة وان كانت هناك صلة أسرية قريبة جداً.

مشيرة إلى أنها لا تحمل الكره أو أي مشاعر سلبية تجاه أسرة زوجها بل على العكس هي على تواصل دائم، تزورهم ويزورونها لكنها تشعر ببرود في المشاعر تجاههم فالأمر لا يتعدى حدود الواجب الاجتماعي أو رفع العتب وقالت حينما التقي بأم زوجي لا توجد بيننا أي أحاديث جانبية فأنا منشغلة بهاتفي وهي مستمتعة بلقائها بأحفادها وأبنائها مبينة أنها كانت حريصة على تفقد أحوالها وتقديم الهدايا إليها لكن بعد أن حدث بينهما خلاف عابر تغيرت معاملتها وأصبحت علاقتهما باردة.

وقالت: ان مشكلة الكثيرين منا أننا لا نستطيع تجاوز خلافاتنا ونتعامل مع أبسط المواقف بطريقة صارمة ومتشنجة وبمرور الوقت تزيد هوة التباعد والجفاء ومن ثم الانزلاق إلى قطيعة دائمة.

القطيعة تهدد العلاقات

نوع آخر من القطيعة الباردة بات منتشراً بين كثير من الأسر والأصدقاء وذلك بحسب حديث سارة محمد التي أكدت أنها باتت تهدد علاقاتنا أن لم تنهها مبينة أنه من الصعب وصف حال لقائنا بأقرب الناس إلينا حيث تحولت إلى لقاءات صماء لا صوت فيها يعلو على صوت رنين الهواتف بين الحين والآخر ما بين اتصالات أو تنبيهات لأحد تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي المزدحمة بالهاتف.

مضيفة أنها شعرت بإحباط شديد بعد لقاء جمعها بصديقتها التي لم تلتق بها منذ عام مبينة أنها بمجرد انتهاء اللقاء شعرت بأنها فقدت شيئاً جميلاً كانت تعول عليه متسائلة ماذاً ننتظر من أشخاص لا يستطيعون رفع رؤوسهم عن أجهزتهم دون أن يشعروا بحاجة الطرف الآخر للفضفضة أو الحديث معهم

الضغوط الحياتية

ومن جانبه أشار د. ناصر العبيد – داعية إسلامي – إلى أن هناك قطيعة كبيرة لمسها الكثير من الناس في علاقاتهم الاجتماعية على كافة الأصعدة، ومع الأسف أنها تتفاقم في صور متعددة يوما بعد يوما مؤكدا أنها ليست وليدة صدفة بل أنها جاءت نتيجة لترسبات عديدة ترتبط أحيانا بذات الشخص وأحيانا أخرى بالظروف المحيطة به، وأحياناً لسوء تعامل الآخرين، مبيناً أن هناك أسباباً عدة أوجدتها من أهمها ضعف الوازع الديني والتغيرات الفكرية، وكذلك زيادة الضغوط الحياتية.

موضحاً أن طبيعة الأشخاص تغيرت كثيراً عن ذي قبل حيث تغيرت مفاهيمهم وأفكارهم وقسا تعاملهم وقل تسامحهم وصبرهم وحسن ظنهم وطول بالهم مع الآخرين، مضيفاً بالأمس القريب كان المجتمع ببساطته وقلة إمكانياته يعيش بحال أفضل وأجمل من حالنا حيث صفاء القلوب والمودة والألفة التي يفوح عطرها كل حين حتى أن الغريب لا يشعر بغربته والجار لا يشعر بالوحشة التي يعيشها اليوم.

وقال: إن ما يحدث اليوم شيء يدعو للغرابة والتعجب فحينما يضيق الحال بأحد الأقرباء أو يمرض لا تجد له معيناً ممن حوله من أهله وقرابته، وحينما تصدر منك الكلمة يفسرها الآخرون على أهوائهم، ينتقدونك ويحسدونك ويتهمونك وكأنهم إذا فعلوا هذا مأجورون عليه.. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: “إن شر الناس منزلة عندالله من تركه الناس اتقاء شره” وهذا الواقع اليوم الكل يقول: “مالنا علاقة بالناس ما وراءهم إلا الشر والأذى” فماذا كانت النتيجة قطيعة دون خصام.

كما يرى أن ضغوط الحياة لها دور كبير على نفسيات الناس ومن ثم على تعاملهم وعلاقاتهم إلا أن العتب يعود على كثير منهم حينما لا ترى منهم أي بادرة في أي مناسبة كبيرة كانت أو صغيرة في السراء أو الضراء، مؤكدا أننا اليوم بحاجة إلى مجاهدة النفس جهاداً كبيراً في هذا الجانب وعلينا أن نسدد ونقارب على أقل تقدير لمن لهم حق علينا من ذوي القربى والأصحاب.

الأسباب النفسية

عن الأسباب والاستعدادات النفسية التي تلعب دوراً مهماً في حدوث القطيعة الباردة أوضح د. محمد مترك القحطاني – وكيل عمادة التقويم والجودة بجامعة الإمام محمد بن سعود – أنها أسباب متنوعة ومتعددة منها ما يعود إلى طبيعة الشخصية كصاحب الشخصية النرجسية الذي يتعامل مع الآخرين بكبر وتعالٍ كذلك صاحب الشخصية المضادة للمجتمع والمعادية له بشكل يؤدي إلى تحجيم تواصله مع الآخرين كما يرى أن الإسقاطات النفسية المتمثلة بالعتاب الشديد أو قلة التحمل والصبر على هفوات وأخطاء الغير والتركيز الدائم دائما على الجوانب السلبية للآخرين كل ذلك يسهم في النفور والابتعاد عن مجالستهم والاحتكاك بهم وبالتالي تحدث القطيعة النفسية بينهم بين الآخرين كما أضاف أن من بين الأسباب اختلاف التوافق الفكري والثقافي والسمات الشخصية والتربية القائمة على عدم التسامح والتنازل. وعن الأثر النفسي الذي تتركه القطيعة الباردة أشار د. القحطاني إلى أن هناك جهلاً كبيراً بعواقب القطيعة التي يمتد أثرها وينعكس على حياة الفرد وعلاقاته مع الآخرين حيث تؤدي إلى الشعور بالوحدة النفسية، وتحول الشخص إلى إنسان انطوائي وغير متفاعل كما أنها تؤدي إلى افتقاد الشعور بروح العلاقات الإنسانية الحميمة وزيادة فتور وتوتر العلاقات مبيناً أن الذين ينشأون في جو مشحون بالتوتر والمشاكل غالباً ما يحدث لديهم تذبذب وبرود في المشاعر وكذلك جمود ولا مبالاة وفيما بعد تتحول إلى حالات متنوعة لأمراض نفسية.

ونوه إلى أهمية التنشئة الأسرية القائمة على حب وتقبل الآخر وتعزيز روح التعاون بين الأطفال في المنزل بالإضافة إلى حسن الظن بالآخر وتوقع الأفضل منه دائما، وتنمية الوازع الديني والسمات الشخصية الجيدة مثل التسامح والتنازل والغفران. مشدداً على دور الدور الإعلامي الذي يسلط الضوء على مناقشة مثل تلك القضايا وإيضاح تأثيراتها النفسية المجتمعية وإسهامه في مجال التثقيف بالصحة النفسية وكل ما يعلي من القيم الإنسانية التي لها عظيم الأثر على علاقات سليمة وإيجابية بين الأفراد..

سلوكيات اجتماعية شائعة

فيما أوضح د. صالح الدبل – أستاذ علم الاجتماع – أن مفهوم الانقطاع البارد كما يفهم هنا هو القطيعة لأسباب تافهة لا تستحق هذه القطيعة، مبينا أنها أصبحت من السلوكيات الاجتماعية الشائعة مؤخرًا بسبب عوامل ومتغيرات اجتماعيه عده أهمها مسألة الخلاف بين طرفين دون أن يتم تحرير المفهوم بشكل واضح، فالتأني في فهم الحقائق مطلوب حتى لا يظن الطرفان أنهما مختلفان.

كما ذكر عددا من صور القطيعة الباردة مثل شعور أحد الطرفين بأنه هو المقصود بالنقد مما يجعل الفرد يغضب وينقطع عن صديقه بسبب غير صحيح كذلك الفشل المتكرر في الحياة لدى أحد الطرفين، وما يسببه ذلك من شعور بالدونية وازدياد وتيرة الغيرة لديه وتوجيهها إلى أقرب الناس، وحصول النفور من صديقه دون سبب جناه الآخر، أيضاً انتشار المناكفات بين الأقارب والجيران وتشكل الحزبيات بينهم لدرجة الانقطاع الفردي عن الآخر دون سبب ظاهر.

كذلك وجود رغبة لدى أحد الطرفين في الانقطاع لأسباب غير مهمة ومن ثم يتحين الفرصة أو أي سبب بسيط للانقطاع،

بالإضافة إلى زيادة الجشع والطمع لدى أحد الأطراف فتجده يثير المشكلات من أجل حرمان الطرف الآخر من أن يشارك في مصلحة مالية أو معنوية فيحاول الانقطاع عند اقتراب المصلحة.

الانتقاد يورد الانقطاع

ومن الأمور التي تدعو الأفراد إلى الرغبة في الانقطاع قيام الطرف الآخر بكثرة الانتقاد والتدقيق في ما يقدم من قصص وأخبار مما يجعل هناك نوعاً من التزام بين الأطراف وضعف الانسجام، وبالتالي يحدث الانقطاع، كما أكد على وجود أزمة تباعد أسري سببتها الثورة التقنية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي حيث أن الإقبال عليها تحول إلى ما يشبه الإدمان مما قلص من تواصل الزوجين مع بعضهما البعض أو مع أبنائهما وذلك أوجد فجوة كبيرة هزت الروابط الاجتماعية فحتى وإن لم يكن هناك خلاف أو اختلاف نجد أن البعض يشكو من برود الطرف الآخر وعدم تفاعله بعد أن أصبحت أنامله تقوده إلى تواصل افتراضي بين مختلف تطبيقات هاتفه النقال.

فيما بين أهم الأمور التي يجب اتباعها لكي تتحسن العلاقات الاجتماعية وهي تقليل النقد بين الأصحاب قدر المستطاع أو الوقف التام للنقد بأي شكل إلا عندما يطلب أحد الطرفين المشورة، والتقليل من الحديث عن الذات وذكر المناقب الحسنة وإدعاء المعرفة في مختلف الأشياء، الاستماع جيداً للطرف الثاني وإعطائه الفرصة أن يكمل ما بدأه، التقليل من ذكر الإنجازات والنجاحات حتى لا تشتعل الغيرة لدى الطرف الآخر، عدم الانفتاح التام مع الأصحاب، عدم الثقة التامة في الآخرين وإعطائهم كافة الأسرار الشخصية لأن ذلك يجعل الشخص مأسوراً بأسراره ويعطي الفرصة للطرف الآخر بالاستغلال، المبادرة في الصلح وإبداء حسن النية والاعتذار السريع حال حدوث القطيعة حتى لا تتطور الأحوال مع مضي الوقت حيث إن المبادرة أفضل السبل لحل المشكلات قبل أن تتخمر المشكلة وتتعفن، التنازل عن المطالب الصلحية من باب إبداء حسن النية، محاولة الوضوح التام في بداية العلاقة وكذلك عند حدوث الخلاف حتى لا يضاف الغموض كمشكلة جديدة.

 

 

 


د.ناصر العبيد

د.محمد القحطاني

 

د.صالح الدبل

 

 


موقف بسيط بين الأصدقاء قد يؤثّر في علاقتهما

الغضب من القطيعة الباردة يؤزم العلاقات

 

علاقات النساء جيدة ولكن أحياناً تقودها الغيرة إلى القطيعة


التعليقات مغلقة.