الأخبار

الفتاة المختطفة.. المجتمع لا يرحم!

المعاناة لا تتوقف بانتهاء القضية والإمساك بالجاني بل تبدأ فصولها عندما تصبح قصة على ألسن الناس

الفتاة المختطفة..المجتمع لا يرحم!

 

الخبر، تحقيق- عبير البراهيم

حينما تمر قريباً من متجر كبير وتقرأ إعلان عن فقدان صبي صغير من أمام بيت منزله، أو حينما تقع عيناك على خبر لفقدان فتاة أو تعرض فتاة لحالة خطف بالقرب من منزل أسرتها، فلا تظن بأن تلك الحالة هي مجرد جريمة سيتم الكشف عن ملابساتها وستنتهي عند الحكم على الجاني قضائياً، فالمشكلة أكبر من أن يستوعبها أحد أو يشعر بها من لم يعشها، فأسرة الفتاة أو الصبي المختطف تبدأ من لحظة اكتشاف حالة الاختطاف، لكنها لا تنتهي بانتهاء القضية في الشرطة والإمساك بالجاني، فهناك حياة كاملة بدأت بالانهيار والتغير من تلك الجريمة البشعة ومعاناة كبيرة ستكبر كلما امتدت حياة تلك الأسرة التي تعاني من وضع ابنة تعرضت للاختطاف وتكسرت بداخلها الأحلام، وذلك إن عادت الفتاة سليمة إلى منزلها، وحتى إن عادت فلن يعود شيئاً كما كان قبل حالة الاختطاف، فالجلاد الكبير ليس حدوث جريمة الاختطاف وإنما المجتمع.

نحتاج إلى أقسام خاصة بالمستشفيات تُساهم في رفع مستوى الصلابة النفسية وزيادة القدرة على مواجهة الأحداث المؤلمة

ولنكن صريحين فلم نستطع حتى بعد التطور والاندفاع الكبير نحو العالم المفتوح على الثقافات الأخرى أن نكون كأفراد محايدين وحاضنين لحالة كانت ضحيتها فتاة على الأخص، فحينما تختطف فتاة أو يتم الاعتداء عليها فإن أسرة المختطفة تدفع ثمن تلك الجريمة مرتين؛ الأولى ضياع مستقبل ابنتهم، والثانية جلد المجتمع لهم حينما يفقد احترامه لتلك الأسرة، ليصادر الكثير من حقوقها، فربما دفعت أخوات المختطفة الثمن أيضاً عبر مصادرة حقهن في الزواج.

ويُعد بعض أفراد المجتمع قاسين وجالدين لتلك الجريمة التي سيمتد الحديث عنها من قبل أبناء الحي، وموظفي العمل لأحد أفراد الأسرة، ولزميلات تلك الفتاة في المدرسة، ومن أقربائها إلى ما لا نهاية من الزمن، وربما دفعت تلك الأقاويل أسرة الفتاة المختطفة إلى تغير مكان سكنها أو الرحيل إلى مكان لا يعرفهم به أحد، وستبقى تلك الحالة وصمة عار لا تغتفر، في الوقت الذي سيحاسب الجاني بالسجن أو الجلد وبعد انقضاء مدة العقاب سيبدأ حياته من جديد.

السؤال الذي لابد أن نتأمله: لماذا يدفع المجتمع بنظرته إلى أسرة الفتاة المختطفة والفتاة أيضاً نفسها إلى دفع الثمن لتلك الجريمة مرتين؟، هل نحن مجتمع لم يعتد على الاستيعاب والاحتواء لأزمات أفراده؟، أم أننا مجتمع البحث عن الفضائح ونشرها والحديث عنها بشكل لا يُمل؟.

إن ما تعانيه الفتاة المختطفة وأسرتها يتطلب فتح أقسام خاصة بالمستشفيات تكون متخصصة لتأهيل المختطفات أو أسرة المختطفة؛ لمساعدتهم على تخطي وتذليل العقبات، وكذلك تحسين ورفع مستوى الصلابة النفسية لديهم من خلال زيادة القدرة على مواجهة الأحداث المؤلمة.

مساندة اجتماعية

وقال د. محمد بن مترك القحطاني -وكيل عمادة التقويم والجودة، عضو هيئة التدريس وأستاذ علم النفس المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن الحالة التي تعيشها أسرة الفتاة المختطفة هي صعبة نفسياً، حيث تشعر بصدمة نفسية أو ما يسمى بالجرح النفسي وهو عبارة عن شعور بالتوتر والشد العصبي بسبب كوارث معينة مثل الاختطاف والشعور بالعجز والرعب بسبب فقدان الفتاة، وتترجم هذه المشاعر السلبية على هيئة سلوكيات مثل قلة النوم والعصبية الزائدة والبكاء والحزن، مضيفاً أن بعض هذه الحالات قد تهدأ تدريجياً مع استمرار الوقت وانتهاء الأزمة، لكن بعضها قد تستمر المشاعر السلبية لفترات طويلة وتؤثر على الشخصية، بل وتؤثر على حياة الفرد مستقبلاً، وذلك بسبب الذكريات المؤلمة التي عاشها وبسبب ضغوط ونظرة المجتمع له، مشيراً إلى أن الحلول والعلاج في مثل هذه الحالة هو احتياج الأسرة إلى ما يسمى بالمساندة الاجتماعية وتعني مساعدة تتلقاها من الأقارب والأصدقاء والمجتمع بشكل عام، وذلك للتخفيف من أثر الانعكاسات السلبية على الوضع النفسي لها.

تأهيل نفسي

وأوضح د. القحطاني أن الفتاة المختطفة تحتاج أيضاً إلى مساعدة وإعادة تأهيل نفسي واجتماعي، مثل التركيز على زيادة تقدير الذات ويعني تحسين الصورة التي تنظر فيها لنفسها، وذلك من خلال التعزيز والمدح والثناء المتواصل من قبل الأسرة والأصدقاء والأقارب والمدرسة والاحتواء الجيد لها، وكذلك تغيير طريقة تفكيرها تجاه الأحداث السلبية التي حدثت لها سابقاً وذلك بشكل إيجابي، ومساعدتها على نسيان وتجاهل الماضي السلبي والتركيز على الحاضر فقط، إضافةً إلى بناء الثقة بالنفس لدى الفتاة من خلال مساعدتها في التركيز على الجوانب الإيجابية من شخصيتها وتنميتها وتطويرها، إلى جانب عدم تهويل الأمور وعدم الحديث عن الخبرات الماضية السلبية التي مرت بها مثل الاختطاف وغيره.

تثقيف الأبناء

وشدّد د. القحطاني على أنه يجب مساعدة بعضنا البعض لنرتقي بوعي المجتمع لمكافحة ومواجهة مثل هذه الأحداث السلبية، من خلال وسائل الإعلام المرئي أو المكتوب لتثقيف أبناء المجتمع في كيفية التعامل الصحيح مع حالات الاختطاف، وعدم نشر الفضائح في مواقع التواصل الاجتماعي والمحافظة على أعراض الناس، وكذلك عدم اللوم الزائد للأسرة حتى لا يستمر لديهم تأنيب الضمير وجلد الذات، إضافةً إلى زيادة الوازع الديني لدى أبناء وبنات المجتمع من خلال خطب الجمعة ومحاضرات الجامعات وحصص المدارس، مقترحاً فتح أقسام خاصة بالمستشفيات تكون متخصصة لتأهيل المختطفات أو المغتصبات أو أسرة المختطفة من خلال العلاج الفردي الذي يقوم به الدكتور النفسي في الجلسات لمساعدة الفتاة والأسرة على تخطي وتذليل العقبات، وكذلك تحسين ورفع مستوى الصلابة النفسية لديهم من خلال زيادة قدرة الفتاة وأفراد الأسرة على مواجهة أحداث الحياة الضاغطة مثل الاختطاف وغيره، ومعرفة كيفية التعامل الصحيح مع مثل هذه المواقف وتخفيف حدة الآثار السلبية للضغوط النفسية والاجتماعية.

دفع الثمن

وتأسفت د. سهيلة زين العابدين حماد -عضو في المجلس التنفيذي ولجنة الثقافة والنشر ولجنة الأعضاء بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- على اعتياد المجتمع نصب نفسه الحكم والجلاد، حيث إن أحكامه كثيراً ما تبعد عن الحيادية في الحكم على المرأة، مضيفةً أنه حينما تتعرض الفتاة إلى الخطف أو الاعتداء فإن أسرتها تدفع ثمن ذلك المصاب الكبير مرتين؛ الأول حينما اختطفت الابنة، والثانية نظرة المجتمع والتي تقول إنها هي السبب في اختطافها، فيضيع هنا مستقبل الفتاة وأخواتها أيضاً يدفعن ثمن تلك الجريمة، فلا هي قادرة على الزواج، وحتى أخواتها لن يكن قادرات على الزواج، مبينةً أن المجتمع سيحاسب الجميع بجرم ذلك الاختطاف، والناس سترفض التواصل مع تلك الأسرة أو الزواج منها لذنب لم تقترفه، متأسفةً أن المجتمع يحاسب الضحية وينسى الجاني، مُشددةً على الدور الذي يجب أن نقوم به كأفراد مجتمع تجاه الفتاة المختطفة وأسرتها، إذ يجب أن نبادر باحتواء تلك الأسرة والفتاة، وأن نقدم الدعم النفسي والعلاج النفسي أيضاً، مشيرةً إلى أن الأسرة مكلومة فلا يجب أن نزود من حجم أوجاعها بالكلام عنهم أو نقل الاشاعات عنهم.

مجتمع واعٍ

وذكرت د. سهيلة زين العابدين أنه من المهم وضع العقوبات الرادعة للتحرش بالكلمة ولمن يتحدث عن عرض غيره، ولابد من محاسبته حتى يعلم كل من يمارس ذلك الفعل أنه سيكون عرضه للمساءلة والحساب بشكل حازم، مُشددةً على ضرورة تقديم الدعم والثقة للفتاة خاصة من يقوم بالاعتداء عليها أو التحرش بها، متأسفةً على أنه حينما تقف الفتاة في القضاء وتطلب محاسبة المتحرش فإن هناك بعض القضاة من يشكك بالفتاة ويوجه لها اتهاما بأنها هي من قامت بلفت انتباه الرجل الذي تحرش بها -حسب قولها- وربما يطلب شاهدا على تلك الحادثة، في حين أن أي معتد لا يقدم على فعلته إلاّ إذا تأكد بأن الفتاة بمفردها، مبينةً أننا بحاجة إلى مجتمع واعٍ يؤمن بالمرأة ويصدقها ويدعمها ولا يعتبرها هي مصر الخطيئة الاولى.

تواصل وبحث

وقالت د. سحر رجب –مستشارة إرشاد أسري ونفسي ومدربة ومستشارة دولية معتمدة لإزالة المشاعر السلبية–: لابد من أخذ الحكمة في التعامل مع أسرة المخطوفة، بحيث يكون التواصل لرفع المعنويات والبحث بكل ما أتوا من قوة وخبرة وعلم، وأن يكون الشخص المساعد هين لين مطواع جبر كسرهم، وأن لا يكون معول هدم وقلق وبشاعة في نقل الأخبار والقيل والقال في وسائل التواصل وبدون مصداقية، مضيفةً أنه يكفي الأسرة عناء وثقلا في فقد ابنتهم أو ابنهم، فالإشاعات والبلبلة كفيلة وبجنون بتوتر الوضع القائم، وزيادة حجم آلامهم حين يكون النقل الحدث به زيادات وافتراءات لم تكن في الملابسات الحاصلة.

الدنيا دوّارة

ودعت د. سحر رجب إلى اتقاء الله في التعامل مع أسرة الابنة أو الابن المختطف، فالجميع لديه أبناء وبنات ونحن أمة مسلمة علينا التقيد بما نزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتعلمناه من مدرسته الانسانية، مشيرةً إلى أنه يجب أن نكف كمجتمع الأذى عن الآخرين وعدم الثرثرة فيما لا يخصنا، فلا نزيد الطين بلّة -كما يقولون-، مضيفةً أنه علينا الإمساك على اللسان وعدم التفوه به جرحاً أو مقتاً للآخرين، فالدنيا دوّارة وكما تدين تدان، فلا أحد يعلم بقضاء الله وقدره وما هي الأحداث التي ستحدث، موضحةً أن التشدق بالأقاويل والأكاذيب هذه من الفتن التي وصى الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم أن نبتعد عنها وهو مربي البشرية ومعلمها، مُشددةً على ضرورة مراعاة نفسية الأسرة ونفسية من اختطف لهم، فالتخفيف عنهم أفضل من السؤالات الكثيرة التي ليس من ورائها سوى الثرثرة، ذاكرةً أن مثل هذه الأسرة بحاجة إلى الدعاء والوقوف إلى جنبهم ورفع الأذى عنهم قدر المستطاع وذلك أضعف الإيمان.


إعادة تأهيل الفتاة المختطفة نفسياً واجتماعياً يساعدها على تجاوز المشكلة

تويتر يسهم في انتشار الشائعات تجاه أي جريمة اختطاف

د. سهيلة زين العابدين

د. محمد القحطاني

د. سحر رجب


التعليقات مغلقة.